وُلد الشيخ عبد الحليم محمود في قرية أبو احمد
من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في (2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ=
12 من مايو 1910م)، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، التحق
بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة (1932م)، ثم سافر على نفقته الخاصة
لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في
سنة (1940م).
تولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم تولى
وزارة الأوقاف، وصدر قرارٌ بتعيينه شيخًا للأزهر في (22 من صفر 1393هـ= 27
من مارس 1973م).
ومن مواقفه أنه بعد عودته من فرنسا كان
يرتدي البدلة غير أنه بعد سماع خطبة للرئيس عبد الناصر يتهكَّم فيها على
الأزهر وعلمائه بقوله: "إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه" فغضب
الشيخ الذي شعر بالمهانة التي لحقت بالأزهر، فما كان منه إلا أنه خلع
البدلة ولبس الزيَّ الأزهريَّ، وطالب زملاءَه بذلك، فاستجابوا له تحديًا
للزعيم، ورفع المهانة عن الأزهر وعلمائه.
كما كان له موقفه
الشجاع نحو قانون الأحوال الشخصية الذي روَّج له بعضُ المسئولين بتعديله؛
بحيث يقيَّد الطلاق، ويُمنَع تعدد الزوجات، فانتفض الشيخ فقال: "لا قيودَ
على الطلاق إلا من ضمير المسلم، ولا قيودَ على التعدد إلا من ضمير المسلم
﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
(آل عمران: من الآية 101) ولم يهدأ حتى أُلغي القرار.
وفي
يوليو 1974م صدر قرارٌ جمهوري رقم 1098/1974م بتنظيم شئون الأزهر وتحديد
مسئولياته على أن يكون الأزهر تابعًا لمسئولية وزير شئون الأزهر؛ مما أفقد
الأزهر استقلالَه، فأسرع الشيخ بتقديم استقالته في 1 من أغسطس؛ احتجاجًا
على القرارِ ولم يعُد لمنصبه إلا بعد إلغاء القرار وصدور اللائحة التنفيذية
التي تخوِّل للأزهر شئونه.
كما لا ينسى أيُّ أحد مواقفَه
من المحاكمات العسكرية ضد جماعات التكفير، وموقفه الشديد ضد قانون الخمر؛
حيث ندَّد به في كل مكان، وموقفه أيضًا من الشيوعية والإلحاد، وموقفه
العظيم من الوفد البابوي.
لقد حاول الشيخ إعادة تشكيل هيئة
كبار العلماء من الأكفاء ومِن حِسَان السمعة والعدول، وكانت حياة الشيخ
عبد الحليم محمود جهادًا متصلاً وإحساسًا بالمسئولية التي يحملها على
عاتقه، حتى لَقِي الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق (15 من ذي
القعدة 1397هـ= 17 من أكتوبر 1978م).
________________